الهند: التحديات والفرص

بن جاكوب جورج، المدير التنفيذي والمدير المالي لدى محبي لوجستكس، يعرض رؤيته حول آفاق تطوير خدمات لوجستيات البضائع سريعة الدوران في موطنه الأصلي.

لمحة عامة

لطالما كانت الهند بلداً ساحراً ومهماً بما تمتلكه من تاريخ عريق، وثقافة، ووحدة في إطار من التنوع، وأديان متنوعة، ونظام ترابط أسري وتاج محل. وقد اتبعت الهند بعد استقلالها مباشرة نهجاً اشتراكياً في إدارة اقتصادها، وأخذت على عاتقها تدعيم القطاع العام عبر إقامة البنى التحتية، والإنتاج الضخم، والاكتفاء الذاتي في المجالات الحيوية.

ومع أن القطاع الخاص حظي بشيء من التشجيع، فقد تضافرت عوامل عديدة للحد من ازدهار ثقافة الريادة وكبح إمكانية بناء الثروات في إطار القانون، ومن تلك العوامل: البيروقراطية، والقوانين العقيمة، والهيكلية الضريبية.

على طريق التغيير

في التسعينيات من القرن الماضي، أقرت الحكومة الفدرالية مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية. وبالنتيجة أصبح هنالك فرص أكبر للحصول على البيانات وتخزينها وتحليلها، الأمر الذي ساعد على تسريع وتيرة الإصلاح. وقد أدت تلك الإصلاحات، جنباً إلى جنب مع زيادة استخدام تكنولوجيا المعلومات، إلى تعزيز الفرص المتاحة.

لقد أصبحت “المعلومات” التي كانت من قبل في متناول شريحة ضيفة من الناس متاحة للعديدين. واليوم، بمقدور الشباب أن يحلموا بريادة الأعمال، وبمقدور رواد الأعمال أن يمتلكوا شجاعة العمل لتحقيق ما يؤمنون به وأن يقيموا المؤسسات التجارية التي يريدون.

ولم تقتصر تلك الإصلاحات على السياسات الاقتصادية وحدها، فهنالك الآن ثلاثة قوانين أساسية معمول بها في البلاد وهي: الحق في التعليم، والحق في الوصول للمعلومات، والحق في الحصول على الخدمات.

انبثاق سوق استهلاكية واعدة

مع دخول الهند العقد الثاني من الألفية الثانية، ثمة إشارات واضحة إلى أنها ستكون السوق المثلى التي يتطلع إليها قطاع صناعة البضائع سريعة الدوران حسبما تؤكد المؤشرات الاقتصادية العديدة.

إن التفاؤل بالمستقبل هو العامل الأساس المحرك للسلوك الاستهلاكي. وتحتل الهند المركز الأول عالمياً في استبيان ثقة المستهلكين لعام 2011. وتبلغ نسبة الاستهلاك إلى الناتج القومي 62% الأمر الذي يضع الهند في مصاف الدول الغربية. وعليه، فإن الاستهلاك قد لعب دوراً أهم من الاستثمار في تحديد ملامح قصة النمو الهندية. وهنالك عامل آخر يتمثل في أن الناس حالياً يتعاملون بأريحية مع الائتمان بدلاً من الإصرار على التوفير من أجل تمويل المشتريات الكبرى.

India at 13% is still too high compared to the West (under 10%). But it is performing better than China (18%) and Vietnam (25%). Source: KPMG

تبلغ تكاليف اللوجستيات إلى الناتج القومي في الهند 13%، وهذه نسبة مرتفعة بالمقارنة مع الغرب (تحت مستوى 10%)، لكن أداء الهند أفضل من نظيره الصيني في هذا المجال (18%) وكذلك فيتنام (25%)
المصدر: KPMG

على سلّم الصعود

في تقريره الصادر في إبريل 2012 يشير المجلس الوطني لأبحاث الاقتصاد التطبيقي (NCAER) الذي يتخذ من نيودلهي مقراً له إلى أن الناتج القومي السنوي سينمو بمعدل 7.3% بعدما كان في حدود 4.9 في عام 2008. وتنمو الواردات بمعدل 19.3% فيما تنمو الصادرات بواقع 13.2%.

وبحلول عام 2015، سيكون 70% من الهنود في سن العمل. ومن المتوقع أن تؤدي النزعة نحو تحقيق حياة أفضل جنباً إلى جنب مع زيادة القدرة على الوصول إلى وسائل الإعلام والتحسن المتواصل في وسائل النقل إلى طفرة في قطاع التجزئة والبضائع الاستهلاكية سريعة الدوران. هذا ما يتوقعه ثوماس فارغيس، رئيس اتحاد اللجنة الصناعية الوطنية لقطاع التجزئة.

من جانب آخر، أشار تقرير صدر مؤخراً عن مجوعة بوسطن الاستشارية (BCG) بالتعاون مع اتحاد الصناعة الهندي (CII) تحت عنوان “زئير النمر – كيف يستهلك ويتسوق شعب تعداده أكثر من مليار إنسان” إلى أن الإنفاق الاستهلاكي في الهند سيتضاعف أربع مرات خلال السنوات الثماني المقبلة، مرتفعاً من 900 مليار دولار في 2012 إلى 3.6 تريليون دولار في 2020.

مطلوب تطوير ملموس في جودة العمل

وعلى الرغم من الحماسة التي قد تثيرها هذه الأرقام إلا أن من المطلوب النظر إليها في سياقها الواقعي. فالهند هي الثانية عالمياً من حيث عدد السكان بعد الصين (عدد سكان الهند 1210 ملايين نسمة، فيما عدد سكان الصين 1339 مليون نسمة)، ومع ذلك فإن نصيب الفرد من الناتج القومي هو 3586 دولاراً، وهو أقل من نصف نصيب الفرد الصيني من الناتج القومي (7536 دولاراً). ولعل إحدى أهم الوسائل لتعزيز الناتج القومي تتمثل في جعل قطاع اللوجستيات أكثر كفاءة وإنتاجية.

لتحقيق ذلك، ثمة خطوات مهمة يجب أن تُتخذ على ثلاثة محاور:

النقل – تطوير البنى التحتية

الطرق في الهند غير ملائمة والموانئ مزدحمة للغاية، وفي الوقت الحالي تحتاج السفينة إلى ثلاثة أيام ونصف لكي تفرغ من مهمتها في الميناء وتعود أدراجها. وقد أطلقت الحكومة الهندية برنامجاً لإنشاء شبكة طرق بطول 10 آلاف كيلومتر، يتضمن كذلك تطوير شبكة المواصلات المائية الداخلية، وضخ الحياة في شبكة السكك الحديدية من خلال الخصخصة.

النظام الضريبي – تبسيط الإجراءات

حالياً ثمة نظام ضريبي مختلف في كل واحدة من ولايات الهند الإقليمية (البالغ عددها ست)، مع إطار تنظيمي مختلف، الأمر الذي يؤدي إلى رفع التكلفة وزيادة التعقيدات. ومن المتوقع أن يجري تطبيق النظام الموحد للضرائب على البضائح والخدمات بحلول إبريل 2013، الأمر الذي سيؤدي إلى خفض تكاليف الالتزام الضريبي، وخلق المزيد من الوظائف وتعزيز النمو.

خبراء اللوجستيات – ثمة حاجة للمزيد منهم

يحتل قطاع البضائع الاستهلاكية سريعة الدوران المرتبة الرابعة ضمن قائمة أكبر القطاعات الصناعية في البلاد، ومع ذلك ثمة نقص شديد في عدد خبراء اللوجستيات. وغالباً ما تتم إدارة المستودعات وملفات المخزون يدوياً. وهنالك مستوى متواضع من الوعي بضرورة استخدام طرف ثالث لإدارة العمليات اللوجستية في مجالات كالتخزين والنقل. وبحسب تقرير حديث صادر عن RNCOS لحلول الأبحاث فإن 55% فقط من الشركات الهندية تلجأ لخدمات لوجستيات الطرف الثالث، مقارنة مع المستوى العالمي وهو 75%.

الحاجة إلى خبراء في لوجستيات الطرف الثالث

إذا ما أرادت شركات البضائع الاستهلاكية سريعة الدوران أن تزيد من كفاءتها على مستوى البلد، أو الإقليم، فهي تحتاج إلى تعهيد عملياتها اللوجستية إلى خبراء مختصين. ويمتاز خبراء لوجستيات الطرف الثالث بقدرتهم على توفير الحلول المتكاملة والتعامل مع كافة المراحل ابتداء من اللوجستيات الداخلية مروراً بالتخزين والتغليف وإدارة الجرد ووصولاً إلى التسليم النهائي.

في هذا المكان، ما زال إنشاء السلسلة المتكاملة ينطوي على تحدّ كبير، غير أنه في الوقت نفسه ينطوي على فرصة فريدة تتمثل في تأسيس وإنجاز حلول توريد لعل الهند في أمسّ الحاجة إليها.